فورين أفيرز: في مواجهة انقلاب البرهان.. خيارات أمريكا محدودة وعليها التحرك سريعا لإنقاذ الديمقراطية

فورين أفيرز: في مواجهة انقلاب البرهان.. خيارات أمريكا محدودة وعليها التحرك سريعا لإنقاذ الديمقراطية

  • فورين أفيرز: في مواجهة انقلاب البرهان.. خيارات أمريكا محدودة وعليها التحرك سريعا لإنقاذ الديمقراطية

اخرى قبل 2 سنة

فورين أفيرز: في مواجهة انقلاب البرهان.. خيارات أمريكا محدودة وعليها التحرك سريعا لإنقاذ الديمقراطية

براهيم درويش

لندن- ناقش المدير التنفيذي لمؤسسة السلام العالمية بمدرسة فليتشر في جامعة تافتس الأمريكية، أليكس دي وال، التحديات التي تواجه الولايات المتحدة في السودان.

وفي مقال نشرته دورية “فورين أفيرز” بعنوان “مواجهة انقلاب السودان” قال دي وال، إن الجيش السوداني قام في 25 تشرين الأول/ أكتوبر بعد عامين من عملية التحول الديمقراطي التاريخية بالسيطرة على السلطة ووقف الخطوات المتعثرة للبلد نحو الديمقراطية. ومنذ ذلك الوقت، قام الجنرال عبد الفتاح البرهان بحل الحكومة المدنية ووضع قادتها تحت الإقامة الجبرية، في وقت واصل المحتجون الشجعان تظاهراتهم وعصيانهم وسط نقص المواد الغذائية وزيادة معدلات التضخم.

لكن التطور الأبرز هو ما يمكن أن يتركه تحرك البرهان من أثر على الدبلوماسية الأمريكية في المنطقة. وعلى خلاف سلفه، جعل جو بايدن القرن الأفريقي أولوية، وعيّن مبعوثا خاصا لجلب السلام إلى المنطقة المضطربة. ودعمت الولايات المتحدة الديمقراطية السودانية الناشئة، ووفرت ضمانات مالية لها وتعهدت بالمساعدة في بناء المؤسسات وإصلاح قوى الأمن.

إلا أن الانقلاب فاجأ الامريكيين، وحصل بعد ساعات من مقابلة جيفري فيلتمان، المبعوث الخاص للقرن الأفريقي مع البرهان، وأكد له التزام واشنطن بالاتفاقيات الموقعة بين المدنيين والعسكريين. وفي تجاهل واضح للولايات المتحدة، أثار تحرك البرهان أسئلة حول التأثير الأمريكي في الجوار المضطرب. وعلى ما يبدو فقد تشجع البرهان بالانسحاب الأمريكي من أفغانستان، ورفض رئيس وزراء إثيوبيا، أبي أحمد، الجهود الأمريكية لوقف الحرب والأزمة الإنسانية في البلد.

ويهدد الجنرال بحل الحكومة الديمقراطية، بشكل يرضي الصين وروسيا وكل المستبدين المحتملين حول العالم. ويرى الكاتب أن هذه النتيجة ليست مؤكدة. وعلى خلاف الدول الهشة والطامحة للديمقراطية في الشرق الأوسط، فعلاقة السودان قوية مع الولايات المتحدة. وما يعزز النفوذ الأمريكي هو إن كان حلفاؤها في المنطقة، مصر والسعودية وإسرائيل والإمارات معها في مواقفها.

وسواء كانت إدارة بايدن مستعدة لأخذ تحرك سريع من إجل إعادة عمل التحول الديمقراطي في السودان، يظل امتحانا لقدرتها على تشكيل النتائج في القرن الأفريقي ومنطقة البحر الأحمر وأجندة بايدن للديمقراطية المعرضة للخطر حول العالم.

وأشار الكاتب إلى تأكيد البرهان على أن تحركه “ليس انقلابا” وإنما لحماية الوطن من الاضطرابات بسبب فشل الحكومة المدنية. وجاء زعمه باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة ورئيس المجلس السيادي، أي الحاكم الفعلي للبلاد. وأنه قام بتحركه بناء على تقاليد ضباط الجيش الوطنيين الذين قرروا التحرك لحماية الأمة، كما فعلوا ثلاث مرات منذ استقلال السودان قبل 65 عاما.

ولم ينخدع الكثيرون في السودان بكلام البرهان، ففي الوقت الذي احتج فيه السودانيون بقوة، قام الاتحاد الأفريقي بتعليق عضوية الخرطوم في المنظمة “بسبب التغير غير الدستوري”. كما لم يقدم البرهان حلولا ذات مصداقية لإخراج البلد من أزمته الاقتصادية وجلب جماعتي تمرد إلى اتفاق جوبا والعودة السريعة للتحول الديمقراطي.

ولعل السبب الأوضح لتحرك البرهان هو أنه لم يكن مستعدا للتخلي عن منصبه كرئيس للمجلس السيادي، وتسليمه إلى قيادة مدنية في 19 تشرين الثاني/ نوفمبر. وفي مواجهة منظور العودة إلى الحكم العسكري الجديد، عبرت أعداد كبيرة من السودانيين عن تصميمها بالحفاظ على الخطوة الأولى التي قام بها البلد نحو الحرية والحكومة المسؤولة أمام الشعب.

ونظمت التظاهرات قوى الحرية والتغيير ولجان الأحياء التي ساهمت في التظاهرات السلمية التي قادت لخروج عمر البشير من السلطة في نيسان/ أبريل 2019 وبعد 30 عاما. وأظهرت هذه القوى أنها لا تستسلم للجيش، فبعد المجزرة التي قتل فيها أكثر من 100 محتج عقب خروج البشير من السلطة، قامت قوى الحرية والتغيير بتنظيم مليونية أجبرت الجيش على التفاوض.

وفي 30 تشرين الأول/ أكتوبر، وبعد خمسة أيام من الانقلاب، نظمت نفس القوى “مسيرة الملايين”. والمطلب الرئيسي للمتظاهرين كان عودة المدنيين إلى الحكم وخروج الجيش من القيادة السياسية. ونال عبد الله حمدوك، رئيس الوزراء شعبية جديدة، رغم انتقاده بسبب سياسات التقشف، وعدم قدرته على اتخاذ القرارات الحاسمة لميله إلى الإجماع. ورفض التنازل عن مطالبه وهي عودة حكومة ما قبل الانقلاب وتحول لشخصية توحد بقية القوى.

ولو استطاعت قوى الحرية والتغيير إعادة حمدوك، فستدفعه إلى تفكيك قوة العسكر. فقبل عامين رضخ البرهان للمطالب نتيجة لضغط الشارع والضغوط الدولية التي قادتها الولايات المتحدة، ويأمل الديمقراطيون السودانيون بحدوث نفس السيناريو اليوم، ولكن الجنرالات أظهروا هذه المرة قوة لا يمكن كسرها. ومن الناحية النظرية فلدى الولايات المتحدة أدوات يمكن استخدامها لإقناع الإنقلابيين بالتخلي عن حركتهم.

ونقطة الضعف للبرهان والقوية للولايات المتحدة، أن السودان بحاجة ماسة للمال. ويمكن للجنرالات البحث عنه لدى دول الخليج، وإن بشكل مؤقت، لكن المال الذي يحتاجون لإنقاذ الوضع هو أكبر من استعداد السعوديين والإماراتيين لتقديمه. فقد قررت إدارة بايدن تعليق مساعدة 700 مليون دولار، لكنها تستطيع القيام بخطوات أخرى لممارسة الضغط، فإعادة جدولة الدين السوداني بـ700 مليار دولار تحتاج لتعاون أمريكي، حيث تتمتع واشنطن وحلفاؤها الأوروبيين بحصة قوية في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.

وفي حالة قطع الدعم الدولي عنه، سيحاول البرهان الحفاظ على نظامه من خلال بيع الذهب وعقود مع روسيا لاستخدام المرتزقة الروس. وعند هذه النقطة، يجب على الولايات المتحدة الرد بفرض عقوبات مالية، فلو استخدمت إدارة بايدن قانون ماغنستكي الدولي، سيتم وقف كل هذه النشاطات. ويمكن لواشنطن تسريع الخطط للكشف عن نقل المعادن بطريقة غير مشروعة عبر مطار الخرطوم الدولي.

وفي مشروع قدمته لجنة من الحزبين في الكونغرس دعا وزير الخارجية الأمريكي للقيام وبسرعة لتحديد قادة الانقلاب والمتواطئين معهم ومن يدعمونهم كأهداف للعقوبات. إلا أن واشنطن ستواجه مشكلة في إقناع دول المنطقة بعدم التعاون مع الانقلابيين، فرغم موقف الاتحاد الأفريقي المتشدد، إلا أن عدة دول أبدت ارتياحا للتعامل مع البرهان أكثر من الحكومة المدنية.

وبعد ساعات من لقائه فيلتمان، سافر البرهان إلى القاهرة وحصل على دعم من عبد الفتاح السيسي، صديقه القديم والرئيس المصري الذي وصل إلى السلطة عبر انقلاب. وتعرف السعودية والإمارات بدعمهما للرجل القوي أو الحكم العسكري، مع أن قادة الانقلاب السوداني على علاقة قريبة مع الإسلاميين مقارنة مع الحكومة المدنية التي تعاديهم.

وتعاملت إسرائيل مباشرة مع البرهان في مفاوضات التطبيع عام 2020. وقامت استراتيجية فيلتمان على دفع الحلفاء في المنطقة لعدم الاعتراف بحكومة الانقلاب، ونجح إلى حد ما. وبضغط من الولايات المتحدة، لم تدعم أي دولة عربية البرهان، وفي تباين مع موقف مصر، شجبت الجامعة العربية الانقلاب. ويمكن للبرهان استخدام ورقة الاقتصاد والفوضى المدنية بالإضافة إلى انهيار اتفاقية جوبا. وسيقول: “ادعموني وإلا زادت الأمور سوءا”، وهو جدل سطحي؛ لأن تاريخ السودان أظهر أن الحكم الديكتاتوري لا يعني بلدا قويا ومستقرا، بل العكس.

ويرى بعض السودانيين أن الانقلاب هو “ثورة مضادة” وعودة لظل البشير، فقادة الانقلاب لم يتولوا فقط مناصب أثناء حكمه، بل انتفعوا من “الدولة العميقة” التي استخدمها للحفاظ على نظامه. وفي ظل البشير قامت شبكات من الجنرالات والإسلاميين بإدارة مصالح تجارية وصناعية: تصنيع السلاح وتصدير الذهب وتبييض الأموال بالإضافة لشركات قانونية للاستيراد والتصدير.

وربما كانت محاولة حمدوك تفكيك هذه الشبكات سببا في تحرك الجيش. وأطلق البرهان سراح عدد من المسؤولين في النظام السابق، حيث كانوا ينتظرون محاكمات بالفساد. وعيّن رجالا محسوبين على النظام السابق في المالية والنفط والمعادن ومن عاش تلك الفترة فهذه تحركات لا تبشر بخير، لأن البشير استمر في الحكم طوال هذه الفترة عبر تلاعب ماهر بجماعات المصالح في البلاد. وكانت قاعدته من الإسلاميين الذين تاجروا بمبادئهم مقابل راحة رأسمالية المحسوبية، وكذا ضباط الأمن والجيش الذين انتفعوا من صفقات الفساد ومسؤولي الولايات وقادة الميليشيات الذين حصلوا على دعم مالي كي يواصلوا الولاء للحكومة.

وبدلا من التعامل مع المطالب الشرعية لجنوب السودان وسكان دافور والجماعات الأخرى التي تشكو من عدم المساواة، حوّل البشير السياسة السودانية إلى بازار تنافست فيه الجماعات على المال والسلطة. وأدت هذه السياسة لزيادة مظالم الناس. ففي جنوب السودان، دفعت الحكومة المال لأمراء الحرب المحليين من أجل قمع المعارضة، بشكل أدى لدعم الحركة الشعبية لتحرير السودان ومطالب الانفصال.

وفي دارفور، تحول محمد حمدان “حميدتي” دقلو إلى لاعب مهم، وجلب لاحقا قواته إلى الخرطوم. وابتعلت قوات الجيش والأمن نسبة 60% من ميزانية البلد، بشكل أدى إلى الأزمة الاقتصادية. وحتى بعد خروج البشير من الصورة، استمر الجيش وقادة الميليشيات وزعماء القبائل بالحكم.

وفي ظل البرهان وحميدتي، اندلع عنف جديد بين العرب وغير العرب في دارفور والمناطق القريبة مما أدى لتشريد أكثر من 400 ألف شخص.

وبكلام البرهان غير المقنع عن الاستقرار، فهو يريد العودة لسياسات عهد البشير. ولو سمح للجنود وضع شروط التسوية مع المدنيين، فسيظل السودان بالتأكيد في ظل العسكر ولن تمس ميزانيتهم وسيواصلون تدخلهم في الاقتصاد، مما سيخنق السوق الحرة وينعش الفساد. وسيتقوى القادة المحليون بشكل سيعيد السودان في ظل البرهان إلى أيامها السود من حكم طبقة العسكر والنزاعات المستمرة. لكن الحل الأفضل لا يزال قائما لأزمة السودان. ففي الأسبوع الثاني من تشرين الثاني/نوفمبر، فشلت صيغة لإعادة حمدوك كرئيس حكومة جديدة وذلك بسبب تعنت البرهان.

ورفض الجنرال التخلي الأرصدة الإستراتيجية في الاقتصاد وإعادة اللجنة المدنية التي كانت تفكك رأسمالية الفساد للحكومة السابقة. وكشف البرهان عن وجهه الحقيقي. وهو ما يعطي أمريكا وحلفاءها الفرصة لفرض عقوبات تستهدف شخصيات بعينها. وفي الوقت نفسه لا يمكن للبرهان أن يخسر الدعم الشعبي بقمعه التظاهرات وهو ما يجلب عليه الدمار.

ويمكن لحمدوك وقوى الحرية والتغيير تقديم بعض التنازلات للجنرالات من خلال إنشاء البرلمان الممثل للأحزاب وبتمثيل للعسكريين. كما أن إرسال البشير للجنائية الدولية يظل قضية مثيرة للانقسام. ويمكنه مواجهة العدالة في السودان، كجزء من التسوية السياسية.

وأظهرت الولايات المتحدة بعد أسابيع من الانقلاب نوعا من المرونة، ففي حوار مع معهد السلام في 2 تشرين الثاني/ نوفمبر، قال فيلتمان إن أهم أولوية لأمريكا هي استقرار السودان. وفي بيان مشترك للولايات المتحدة والسعودية والإمارات وبريطانيا ركز على أهمية الالتزام بالإعلان الدستوري عام 2019 واتفاق جوبا كأساس للحوار والتعاون المدني- العسكري. لكن المسألة تظل في رغبة الولايات المتحدة لوقف انقلاب البرهان وعليها التحرك سريعا.

 “القدس العربي”:

التعليقات على خبر: فورين أفيرز: في مواجهة انقلاب البرهان.. خيارات أمريكا محدودة وعليها التحرك سريعا لإنقاذ الديمقراطية

حمل التطبيق الأن